الدين والسياسة في الفقه الإسلامي
الدين : شعيرة عبادة ( حق الله المنفرد ) ، وشريعة عدل وأمانة ( حق الله المقترن بحق الناس ) .
حق الله المنفرد : كالتوحيد والإخلاص في الطاعة والعبادة ، وكالصلاة والصيام والحج والحجاب للمرأة وترك الزنا وترك شرب الخمر ، وغيرها من الشعائر التي لا تعاقب الشريعة على تركها ، وإنما كان حد الزنا وحد الخمر على من جهر بهما أمام الشهود وليس على من أسرَّ بأيهما ) .
حق الله المقترن بحق الناس : كالزكاة ( وهي التي حارب أبو بكر الصديق المرتدين من أجلها ) وكترك العدوان على الحق العام ( الذي يحميه حد الحرابة من شر المفسدين في الأرض ) وترك العدوان على الحق الخاص ( كتحريم القتل والسرقة والقذف والسب وغيرها ، الذي تحميه العقوبات الشرعية من قصاص وحد وتعزير ) .
الإسلام : عامة ( التوحيد ) كما في القرآن ، وهو دين الأنبياء جميعاً ، وخاصة ( شعائر دين محمد صلى الله عليه وسلم ) كما في حديث جبريل .
الشريعة : حماية ورعاية العهود والعقود بوفاء وأمانة ، وحفظ الحقوق والواجبات العامة والخاصة بعدالة ، ومعاقبة المعتدين بولي الأمر ذي الإمامة .
الحقوق العامة : طاعة الإمام الشرعي في الشأن العام في غير معصية بينة معلومة من الدين بالضرورة ولا في ظلم مستيقن .
الإمام الشرعي : هو الممسك بزمام الأمور ( جيشاً وقضاءً ومالاً ) وإن كان مجيئه للحكم غلبةً لا بيعةً ، ولا يجوز فسخ بيعته قضاءً إلا إذا خالف أحد شروط بيعته _ إن كانت له بيعة _ كترك الدين إلى غيره إن كان ذلك من شروط بيعة الإمامة له ، فالعقد شريعة المتعاقدين .
الحقوق الخاصة : حفظ النفس والعرض والمال الخاص . فلا تجوز الوصاية على غير السفيه ناقص الأهلية لأنه ظلم وقهر ، ومن القهر الديني الوصاية على المخالفين له بغير تفويض إلهي ( إلا ما كان لسليمان وحده خاصة دون غيره من الأنبياء والرسل في معاقبة الجن وتخويف وفد سبأ بإتيانهم بجنود لا قبل لهم بها وإخراجهم منها أذلة وهم صاغرون ) . ، فلا يجوز لنبي أن ينكح أو يبيع أو يشتري أو يصير والياً بغير رضا أصحاب العقود ، وما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخرج لقتال مشركي قريش يوم بدر بغير إذن الأنصار لأنهم أصحاب عقد بيعة الإمامة يوم بيعة العقبة الثانية .
ومن الشريعة ارتكاب أخف الضررين عند التعارض القطعي لا الظني ، وأن الحق العام مقدم على الحق الخاص عند التعارض القطعي لا الظني .
جهاد الطلب : مبادرة العدو بالغزو قبل خروجه للقتال ، عند تيقن عزمه عليه بخبر صادق يقين ، لا بقول فاسق مرتاب مهين ، فلا لحرب الأديان والحضارات والثقافات ولا للقول بالصراع الدائم بين الحق والباطل .
السياسة : حماية ورعاية المصالح الدنيوية العامة من ( جلب منافع ودفع مفاسد ) ، ومنها أن دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع ، وأن النفع العام مقدم على النفع الخاص مطلقاً ، وتقدير المصلحة والمفسدة ودرجاتهما راجع لترجيح الإمام لا العوام ، فيجوز تعطيل بعض أحكام ونصوص الشريعة إذا تعارضت مع رعاية الضرورات من المصالح العامة أو الحقوق العامة كحصار أو تجويع أو زرع نفاق وما إلى ذلك من المهلكات التي يراها الوالي مهلكة في ترجيحه وليس في رأي غيره .
يتضح من تعريف الدين والشريعة والسياسة اختلاف الموضوع و المجال ، كما أنه يجب فيهم فصل الرجال ، ذلك أدنى أن يأتوا بالعدالة على وجهها ، فلا يجوز أن يكون رجل واحد في زمن واحد والياً وقاضياً ومفتياً إلا الأنبياء فالوحي رقيب عليهم وما كان لنبي أن يغل ، وإنما يجب لغير الأنبياء فصل عمل الوالي عن عمل القاضي والمفتي .
فالدين لا يتدخل في السياسة إلا في تحديد الحد الأدنى من المفاسد العامة الضارة المحرمة ، كتحريم بيع ولي الأمر للخمر بقصد الربح العام ، وهو ما يرفضه الدين والعقل والمصلحة العامة .
فتاوى الحلال والحرام : تقوم على حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وليس على مصلحة فرقة تزعم مصلحة الدعوة .
الولاء والبراء : ( المواطنة الصادقة ) ، موالاة أهل الأرض والديار ( الوطن ) وإن كانوا من غير أهل الدين من الذميين ، ومناصرتهم على أعدائهم والبراء منهم وإن كانوا من أهل النسب أو أهل الدين ، وهو حفظ الأمانة في الحقوق العامة . وليس هو الحب أو البغض ولا التحيز لأهل الدين ظالمين أو مظلومين .
فيجب على المسلم في ديار غير المسلمين ما يجب على غير المسلم في ديار المسلمين نحو قومه وأهل دياره من مناصرة ومؤازرة .
النفاق : اعتقادي وعملي .
الاعتقادي : هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر .
العملي : هو الخيانة الكبرى ، وهو إظهار الولاء للجماعة والإمام الشرعي ، والبراء من ذلك إلى فرقة أو جماعة أخرى أو مبايعة إمام غير شرعي .
ومن ذلك جعل الحق الديني اللازم في طاعة الإمام أمراً دنيوياً مستباحاً إفساداً في الأرض وغدراً ونفاقاً وخيانةً .
وليست الشجاعة والجبن من دلائل الإيمان والنفاق كما يزعم بعض الدجالين .
أما مناصحة الإمام في أمر الدين والدنيا فواجبة بشرط استئذانه بغير إجبار ولا اقتحام .
الكفر : أكبر وأصغر .
الأكبر : هو إنكار وتكذيب معلوم من الدين بالضرورة ( قطعي الثبوت قطعي الدلالة ) كإنكار البعث أو تكذيب الرسل ، أو جحود طاعة وإن لم ينكر البعث ولم يكذب المرسلين ( ككفر إبليس وكفر من جحد طاعة الإمام تقديماً لعز نفسه على طاعة إمامه ) ، أو كفر الاستهزاء بالدين .
الأصغر : كبائر المعاصي .
الكبائر : ما ورد فيها وعيد شديد أو عقوبة دنيوية أو أخروية .
حد الردة : القتل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وذلك إذا اقترنت ردته بغدر وعدوان على الحق العام ، كأن يكون إسلامه فكاً لأسره وردّاً لماله وأهله ثم يرتد عن الإسلام بعد عودته إلى قومه ، فهذا عدو يجب قتله . أو كأن تقترن ردته بخروج على الإمام وشق عصا الطاعة عليه قي شأن عام كمنع الزكاة كما وقع في خلافة أبي بكر . أما تبديل الدين في غير غدر وعدوان فهو من حرية الإرادة والتخيير المتروكة للناس في الدنيا ويختص الله سبحانه وتعالى وحده بالحساب عليها في الآخرة .
البدعة : التعبُّد والتقرُّب إلى الله بغير ما شرع ، تشريعاً في الدين وانتقاصاً من كمال شرع الله .
كجعل النفع الدنيوي حقاً دينياً لازماً قهراً وتجبراً ، ( باسم بدعة شمولية العبادة لمباحات الدنيا أو بدعة شمولية الإسلام للسياسة ) .
أو جعل رعاية السياسة والشأن العام فرض عين وهو فرض كفاية ، ( باسم بدعة شمولية الإسلام للسياسة ) .
الديمقراطية : يرادفها في اللفظ العربي كلمة ( الخصوصية ) التي تخص الفرد وحده ، وأما تعريفها بأنها حكم الشعب للشعب فهو ثمرة لمعنى الخصوصية في حرية مبايعة الوالي من الناس ، فلهم أن يختاروا مسلماً أو كافراً بغير وصاية ولا حجر على إرادتهم ، فالأنبياء جميعاً عاشوا تحت حكم قومهم لهم ولم يخرجوا عليهم لكفرهم ، كما أن يوسف والنجاشي لم يحكما قومهما بشريعة ربهم لأنهما لم يبايعا على ذلك . فالديمقراطية هي حكم الشعب للشعب في أمر الدنيا لا في أمر العبادة ، ومثل الديمقراطية في حرية الفرد في اختيار إمامه كمثل حريته في اختيار زوجته بغير قهر أبيه له في ذلك وإن كان رأي أبيه هو الأفضل ، فلا يجوز للأب الوصايةُ على رأي ابنه أو الحجر عليه مدعياً مصلحة ابنه ومنفعته .
العلمانية :
لغة : اللادينية أو فصل الدين عن الدنيا .
واصطلاحاً : فصل رجال الدين والإفتاء والقضاء عن رجال الدنيا والحكم والسلطان ، فلا يجوز الجمع بين المنصبين لرجل واحد في وقت واحد ( إلا الأنبياء ، لأن الوحي رقيب عليهم )،كي لا يكون حكماً وخصماً في الوقت نفسه ، وفي ذلك حمايةٌ للدين والدنيا كليهما ، فلا ديمقراطية ولا رقابة مستقلة بغير علمانية .
فكما أنه لا يجوز أن يكون مفتي الجمهورية زعيماً سياسياً فإنه لا يجوز للإخوان المسلمين أن يجمعوا بين المنصبين والعملين في جسد واحد .
من أحكام السلطان والرعية :
اختيار حاكم : فرض كفاية لا فرض عين على كل مسلم .
اختيار شروط الحاكم : المنافع الدنيوية لا الشعائر الدينية ، فقوي فاسق خير من ضعيف عابد .
اختيار الشريعة :
لا يحق للحاكم شرعاً أن يحكم بين الناس بغير ما بويع عليه وإلا صار خائناً للعهد والأمانة لأن العقد شريعة المتعاقدين ، وإثم ترك نصوص شرع الله يقع على من كان سبباً فيه وهم أهل البيعة ، إلا إن كان تركها ارتكاباً لأخف الضررين كمثل قوله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ? وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ?لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ? وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ? وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) سورة آل عمران أية ( 28 ) . إلا أنه لا يجوز له أن يحكم بين الناس بالظلم مطلقاً وإن بويع عليه .
فالعقوبات الشرعية عبادة وحق منفرد لله ، يختص الله وحده بالحساب على تركها في الآخرة ، والناس فيها بالخيار في الدنيا .
لكن الظلم في الحقوق والواجبات عدوان على حق الله المقترن بحق الناس ، يجب منعه في الدنيا ويعاقب الله عليه في الآخرة .
فالأصول الكبرى والأركان الثابتة في الشريعة الإسلامية هي ( الأمانة والعدالة و الحرية الخاصة ) ، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) سورة النساء أية ( 58 )
فأنت ( مع الناس في الدنيا ) حر ( في الحلال والحرام ) ما لم تضر ( في الحقوق والواجبات العامة والخاصة ) ، وحسابك على الله تعالى في الآخرة لا على ولاة الأمر .