السيد محمد على العربى Admin
عدد المساهمات : 150 تاريخ التسجيل : 08/10/2008 العمر : 47 الموقع : https://elaraby.ahladalil.com
| موضوع: هل للشباب المصري ثقافة خاصة بهم الخميس أكتوبر 09, 2008 6:45 am | |
| هل للشباب المصري ثقافة خاصة بهم ؟ .. بقلم د. علي الدين هلال والإجابة علي الفور... نعم. فثقافة كل جيل عادة ما تعكس الظروف التي يعيشها بما فيها من فرص وضغوط ومن تطلعات وإحباطات. لذلك فإن العلاقة بين الأجيال عادة ما تكون شائكة ومعقدة تتسم أحيانا بالتواصل والإستمرار وأحيانا أخري بالإنقطاع والرغبة في الأختلاف والتمرد وفي أغلب الأحيان بمزيج من هذا وذاك. فالأجيال الأكبر سنا تري الشباب أقل جدية وأقل تعرضا لمصادر الثقافة وأقل تحملا للمسئولية بينما ينظر الشباب إلي الأكبر سنا علي أنهم أقل معرفة بما يحدث في العالم وأقل إلماما بالتطورات المعاصرة في العلم والتكنولوجيا وأكثر اعتمادا علي تجارب وخبرات لم تعد ملائمة للقرن الحادي والعشرين.
ومفهوم الجيل هو أحد مفاهيم العلم الاجتماعي وهو يشير إلي شريحة اجتماعية يجمع بينها التقارب العمري. ويختلف العلماء بشأن تحديد المدي الزمني للجيل وإن كان أغلبهم يربط بين الجيل والحقبة الزمنية فنقول جيل الأربعينيات أو التسعينيات. ولكن مفهوم الجيل يتجاوز هذا المعيار الزمني ليشمل أبعادا نفسية ومزاجية وأمورا تتعلق بنمط الحياة فكل جيل ينشأ في داخل مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي له سمات معينة ويكون لها تأثيراتها الاجتماعية والثقافية عليهم.
والاختلاف بين الأجيال يرتبط أيضا بمستوي التقدم التكنولوجي والعلمي ودرجة التغيير في المجتمع وسرعته وهي اعتبارات حاكمة في تحديد مدي التواصل أو الفجوة بين الأجيال. ويكفي أن نقارن بين التقدم الذي حدث في مجال الاتصالات والمواصلات والذي أدي إلي مزيد من التفاعل بين المجتمعات وإلي تدفق المعلومات والأخبار عبر الحدود السياسية والقارات الجغرافية المتباعدة بحيث أصبحت الفضائيات تنقل الأحداث لحظة وقوعها إلي سائر أرجاء المعمورة.
أضف إلي ذلك التقدم المذهل الذي شهدته شبكة المعلومات العالمية' الإنترنت' والتي اسقطت بحق حاجزي الزمان والمكان. ولنقارن ذلك بأنه عندما مات نابليون في منفاه في منتصف القرن التاسع عشر استغرق الأمر عدة ايام لكي يعرف الشعب الفرنسي بخبر وفاته وكانت تلك الأيام هي المدة اللازمة لأنتقال الخبر بسرعة الخيل التي كانت الأداة الأساسية للأنتقال وقتذاك.
وفي عصرنا الراهن تزداد سرعة أنتقال الأفكار والصور وأنماط السلوك من مجتمع لآخر والتي تشمل سلوكيات المأكل والمشرب والملبس فنجد أنماطا متقاربة في الزي و الطعام والموسيقي تنتشر في كل مكان. وبقدر سرعة التغير تزداد الفجوة بين الأجيال فعندما يتسم التغيرالاجتماعي بالتدرج والبطء تزداد فرصة التواصل بين الكبار والشباب بسبب وجود مساحة مشتركة من الأفكار والسلوكيات. أما عندما تتسارع درجة التغيير فإن مساحة التواصل بين الأجيال تضيق بينما تتسع مساحة الأختلاف وهنا تظهر ملامح التوتر والصراع بين الأجيال.
ويأخذ الصراع بين الأجيال مظاهر شتي لعل أبرزها فقدان اللغة المشتركة التي تسمح بالتواصل والحوار وبناء الثقة المتبادلة. فالشباب ينظرون إلي الكبار علي أنهم' موضة قديمة' وأنهم يسعون إلي فرض آرائهم وتصوراتهم عليهم رغم أن تلك الآراء والتصورات هي نتاج عالم لم يعد له وجود وأنها قد تجاوزتها الأحداث. والكبار ينظرون للشباب علي أنهم تنقصهم الخبرة ولا يقدرون تبعات المسئولية وأنهم لا يحترمون خبرة وحكمة الأجيال السابقة.
في هذا المناخ تتبلور الثقافة الخاصة للشباب وهي موجودة في أغلب دول العالم في شكل ممارسات اجتماعية وثقافية وفي شكل تعبيرات لغوية مكتوبة لعل أبرزها اللغة التي تكتب بها بعض المدونات وتلك المستخدمة في حجرات الدردشة علي الإنترنت ورسائل التليفون المحمول والتي تتسم بعدم كتابة جمل كاملة وعدم تطبيق قواعد اللغة وكتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية والمزج بين استخدام الحروف والارقام حيث تستخدم الارقام للدلالة علي المخارج الصوتية.
كما أبتكر الشباب كلمات ومصطلحات جديدة أو استخدموا كلمات موجودة وأكسبوها معاني أخري وهو مجال خصب لدراسة التحول الثقافي الذي حدث في المجتمع المصري والذي رصده أستاذ الأجتماع البارز د. محمد الجوهري في كتاب ضخم أشرف عليه وحرره تحت إسم' معجم لغة الحياة اليومية'.
وفي بحث بعنوان' ثقافة الشباب المصري' للأستاذ علي صالح أبو الخير حدد خصائص هذه الثقافة في الأغتراب والسعي لإبتداع لغة خاصة تميز الشباب عن غيرهم وهوس الإنترنت والعزوف عن القراءة. وبالطبع فإن هذه النتائج وغيرها لا تنطبق علي كل الشباب بنفس الدرجة فالشباب ليس كيانا موحدا وإنما تتنوع فئاته حسب العوامل الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. ولكن هذه النتائج بالتأكيد تشير إلي إتجاهات وتوجهات موجودة بين الشباب المصري عكف الباحثون المصريون علي دراستها وخصص المركز القومي للبحوث الاجتماعية مؤتمره السنوي في إحدي السنوات الأخيرة لبحثها.
وإذا كان الأفراد زائلين فإن المجتمعات مستمرة وأحد ضمانات هذا الأستمرار هو قدرة المجتمع علي نقل هويته وثقافته من جيل لآخر وإلا يصبح للأستمرار معني شكليا وتافها. وهذا الأستمرار في منظومة القيم الثقافية وقضايا الهوية والإنتماء لا يتحقق بدون نجاح المجتمع في إنجاز عملية تنشئة اجتماعية ناجحة وفعالة.. لا تقوم علي الفرض والإكراه ولكن تعتمد علي إيجاد قنوات للإتصال وفتح أبواب للحوار. تواصل وحوار يسعيان لتحقيق ذلك الإستمرار الثقافي والمعنوي ولكن دون مصادرة علي حق الأجيال الجديدة في أن تحيا حياتها وتعيش عالمها.
والمعادلة الصعبة التي تواجه كل المجتمعات ومنها مصر تتمثل في الوصول إلي صيغة تسمح للكبار بأن ينقلوا حصيلة خبراتهم إلي الشباب دون أن يكون في ذلك قيدا علي حق الشباب في تكوين خبراتهم وممارسة حياتهم الخاصة بهم. ولنتذكر أن أي سياسة تهدف إلي تنشئة الأجيال الجديدة بحيث تكون صورة من أجيال سبقت هي محاولة محكوم عليها بالفشل لأنها محاولة ضد التاريخ. ولكن نجاح المجتمع في الوصول إلي هذه الصيغة يعتمد علي مدي فهمنا وتقديرنا لمشاكل الشباب وللمشاعر والأفكار التي تدور في نفوسهم وعقولهم وهوموضوع سوف نعود مرة أخري للكتابة فيه. [ نقلاً عن جريدة الأهرام ] | |
|